إذا كانت «رسالة الغفران» تعد من أعمال المعري الفنية الخالدة والتي
احتلت مكانة القمة في الأدب العربي والعالمي، فإن «رسالة الملائكة» عمل فني
خالد له قيمته الأدبية والصرفية، ويعبر عن مرحلة متأخرة من عمر المعري.
تتألف «رسالة الملائكة» من مقدمة حوارية دارت بين «أبي العلاء» والملائكة،
على غاية من الفن والروعة والخيال، ومن جواب على مسائل صرفية صعبة ومتشعبة
وذات خلاف.
ألف المعري هذه الرسالة جواباً على مسائل صرفية، سأله عنها الشيخ «أبو القاسم» علي بن محمد بن همام، وقد صرح المعري بذلك في مقدمة الرسالة حيث قال: «ولما أوفى شيخنا أبو القاسم بتلك المسائل ألفيتها في اللذة كأنها الراح يستفذ من سمعها المراح، فكانت الصهباء الجرجانية طرق بها عميد كفر بعد ميل الجوزاء».
كما بلغ عدد المسائل التي أثارها «أبو القاسم» ثلاث عشرة مسألة، كالقول في «إياك» والقول في «أيه وغاية وثاية»، والقول: في اسم وحقيقة الحذف منه، والقول في اثنين واثنتين وسيد وميت وغيرها. و«أبو القاسم» هذا حسب ما تدل عليه الرسالة، عالم من علماء الصرف، يقصده المهتمون للانتفاع بعلمه.
وهكذا يدخل « المعري» إلى مقدمته الحوارية، فها هو ذا قد قارب أجله أو كاد، وقد حصل من العلم الكثير، ولكنه لم ينتفع منه في دنياه، ولا يظن أنه سينتفع منه في أخراه، أتراه ينتفع منه في مدافعة ملك الموت، فيشاغله عما هو فيه من مهام، فيدخله في متاهة لغوية خيالية، تتصل بلفظة، فيقول: «أفتراني أدافع ملك النفوس فأقول: أصل ملك مألك، وإنما أخذ من الألوكة، وهي الرسالة، ثم قلب فيعجبه ما سمع فينظرني ساعة لاشتغاله بما قلت، فإذا همّ بالقبض، قلت وزن ملك على هذا معل».
ويروح المعري في تصريفات واشتقاقات لغوية طويلة ولكن ذلك لا ينقذه مما هو فيه حيث يجيبه ملك الموت في النهاية «إن كان لك عمل صالح فأنت السعيد وإلاّ فاخسأ» ولكن المعري يمضي منتقلاً من ملك إلى ملك، حتى يصل إلى ملكي القبر فيناقشهما في اسميهما، ولكن لا يقابل ذلك إلا بتهاون وعدم مبالاة.
ثم يسهب «المعري» في أمور لغوية متعددة، بدءاً من «ريحك، إلى سقر، إلى جهنم وغيرها»، حتى يصل إلى جماعة من ضمن الأدباء لم يحظوا بشيء، ليؤكد أن من أدركتهم حرفة الأدب ليس لهم حظ في الدنيا، ولا يغني عنهم أدبهم وعلمهم أي غناء في الحياة الأخرى.