هذا ليس بحثاً فقهياً في الفقه السياسي، بل هو، بالأحرى ، مساهمة في تحليل رؤية الفكر السياسي الإسلامي الكلاسيكي إلى المسألة السياسية من خلال الوقوف بقدر من التحليل والتفكيك على تصور خطاب فقه السياسة الشرعية للمسألة السياسية عامة، ولما تعلق منها بالدولة والمشروعية على وجه التحديد. ولعلنا لانأتي بجديد إذ نحسب فقه السياسة الشرعية في جملة الخطابات القمينة بأن يفرد لها الدارس بحثاً للنظر في المقولات والمفاهيم الكبرى كما في الأهداف النظرية والتاريخية القريبة والبعيدة. من يدقق النظر في هذه المفاهيم كما تجلت في الوعي السياسي الإسلامي السني، يقف على الدور الكبير الذي أضطلع به الفقهاء في صوغها وذلك رغم أنها كانت موضوعاً لخطابات أخرى في السياسة، نافست فقه السياسة الشرعية على احتكار القول في المجال السياسي الإسلامي، كما هو الشأن بالنسبة إلى خطاب الفلاسفة والكتاب وأصحاب مرايا الأمراء. ونحن ولئن كنا لا ننفي أهمية هذه الخطابات ومكانتها بالنسبة إلى الباحثين في الفكر السياسي الإسلامي، فإن ما لفت انتباهنا هو الصراع الذي خاضه القول الفقهي معها وخاصة منها خطاب الآداب السلطانية من أجل احتكار القول في السياسة ومجالها.