سعى مؤلف الكتاب إلى بلورة ما أسماه «علم السياسة اللغوية»، الذي يساعد في الإجابة عن الأسئلة المعقدة التي تطرحها العولمة في جانبها اللغوي. فالسياسات اللغوية برأيه، تشكل «تدخلات» تطال اللغة، أو العلاقات بين اللغات، لكنها ليست العامل الوحيد المؤثر. إذ يمكن لدولة ما أن تتدخل في نقاش حول قواعد الكتابة، وأن تقر قانوناً يحمي اللغة، وأن تحدد الوضع القانوني للغات مناطقية. لكنّ هناك أنواعاً أخرى من الإجراءات لا ترتبط بالدولة، يقوم بها أفراد أو مجموعات، كالمشروع الذي قادته في منتصف القرن الـ16 مجموعة من الشعراء الفرنسيين انضووا تحت لواء ما عُرف بـ«البلياد» (الثريا)، أو العمل الذي قام به الكاتب أحمدو كوروما حول اللغة، والذي يقدم في رواياته صيغة استحواذية إفريقية للغة الفرنسية. إلا أنه في السياسة اللغوية، يجهل صنّاع القرار في معظم الأحيان ماذا يفعلون، أو أقله لا يدركون الترابط الإيديولوجي العام لاختياراتهم التجريبية. وهذه النقطة ذات أهمية قصوى بالنسبة لعلم السياسة اللغوية، الذي يتولى الكشف بالتحديد عن خلفية السياسة اللغوية، والذي يمكنه بالطبع، حينما يتوجه إلى صنّاع القرار، أن يُسدي إليهم النصح.
من الصعيد النظري، ينتقل الكاتب إلى دراسة حالات كل من تركيا والاتحاد الأوروبي والأرجنتين، ليُظهر أن المسألة اللغوية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالوضع السياسي، فحينما يكون وراء المطالبة اللغوية مشروع سياسي، فمن الملائم مقاربته في الميدان السياسي.
ويطرح الكاتب مسألة موت اللغات، معتبراً أن اللغات التي تندثر تؤشر إلى حالات تتلاقى فيها عوامل سياسية، واجتماعية، واقتصادية، ونفسية، لتدفع بالمتكلّمين إلى الاستغناء عنها تدريجياً، فتبطل أن تكون لغات «ناشرة» (أيّ لغة التواصل المشتركة) شيئاً فشيئاً. ويعتبر المؤلف المتحدثين أيضاً مسؤولين، بفعل اختيارهم لعدم التكلم بلغة ما. ويرى كالفي أن بعض اللغات تُعد مرموقة، وغيرها لا، بعضها يطالب المتكلمون بها أن تعتبر لغات هويّة، فيما يتخلى آخرون عن لغاتهم، ولا يعملون على نقلها إلى أولادهم، ويفضلون لهم اكتساب لغة أخرى.
ويخلص المؤلّف إلى السؤال المحوري: أيّ مستقبل لغوي للعالم في ظلّ العولمة؟ ويرى أن الأوضاع اللغوية تتغيّر باستمرار، ومهما كانت عملية المسح دقيقة، فإنها لا تلبث أن تتبدّل بسرعة. والعوامل التي توثّر في هذه التغيّرات متنوّعة، ولا يمكن لعامل لوحده أن يفسّرها. فهناك الديمغرافيا، والنقل، والتحضر، وسياسات الدول، والتكنولوجيات الجديدة، التي حوّلت العالم إلى سوق تحظى فيه اللغات بتراتبية، إذ يكون بعضها في قلب النظام العالمي، لأن عليها الطلب الأكبر، وبعضها الآخر على الطرف أو الهامش، ويتمّ التخلي عنها شيئاً فشيئاً.