يُعدُّ كتابُ «يوميات عام الطاعون» دليلاً إرشادياً للحكومات كما الأفراد في سياق مُواجهة الأوبئة، سواء من جهة سنِّ القوانين والنظم والإجراءات الرقابية والعقابية، أو من جهة السلوكات الاجتماعية، عرضاً وتفسيراً ونَقْداً. ويؤرِّخ الكتاب لوباء «الطاعون» الذي اجتاح إنجلترا عام 1665، وأودى بحياة أكثر من 97000 شخص، وما صحبه من إجراءات، كالعزل المنزلي، والحجر الصحي، وإنشاء مشافٍ للأمراض الوبائيَّة، والتباعد الاجتماعي، والاحتياطات التجاريَّة، وتقنين التَّرحال والتنقُّل، والتعقيم. وتشبه «اليوميات»، من حيث الشكل، الروايةَ التاريخية، لكنها ذات إيقاعٍ تسجيليٍّ يرصُد مسارات الوباء وآثاره، ويسعى إلى تفسير سلوكه، بأسلوب يتراوَحُ بين القَصِّ والتوثيق، وانطباعيَّة تحذو حَذْوَ البَرْهَنَة العلميَّة في غير قضيَّة. ولعل أبرز ما لاحظه «ديفو» أنَّ طاعون لندن الضَّاري لم يسلُكْ مساراً خَطِّياً، بل مُنْحنىً جَيْبِياً ذا تَوَزُّعٍ مَناطِقِيٍّ، وأنَّ ضراوته قد تباينتْ في مُبتدئه عمَّا آلتْ إليه لـمَّا بلَغَ ذُروَتَه، ثُمّ انخفضت حـدَّةُ فتكـه، وإذَّاك اتَّسَع نطاقُـه، فارتفعـت أعـدادُ الـمُصـابين به، حتـى أوشـكَ على الانحسار، ومِنْ ثَمَّ خَمَد. وقد صدر الكتاب، أولَ مرة، عامَ 1722.