المسائل الكبرى في القرآن الكريم - فضل الرحمن مالك
ما تزال الصورة الذهنية في العالم العربي عن أعمال المفكر الإسلامي الباكستاني فضل الرحمن غامضة أو متأثرة بفكرة مسبقة عنه ترتبط بالحملة التي واجهها في ستينيات القرن الماضي إثر بعض الآراء والاجتهادات التي أبداها آنذاك حين كان في باكستان، وهذا أدى إلى تجاهل أعماله الفكرية، وعدم ترجمتها إلى العربية، وأياً تكن وجهات نظره في بعض القضايا فإنه من الحيف تجاهل ما كتبه وأضافه في الدراسات الإسلامية عموماً، والقرآنية خصوصاً، فقد تأخرت ترجمة واحد من أهم كتبه "المسائل الكبرى في القرآن" أكثر من ثلاثين عاماً، ورغم صدور الترجمة عام 2013، إلا أن الكتاب لم يحظ بالقراءة والنقد والانتشار الذي يستحقه، لاسيما وأن موضوعه يخص شريحة مهمة من المختصين بالدراسات القرآنية.
يتناول المؤلف في ثمانية فصول ما يراه كبرى القضايا التي اشتمل عليها القرآن (الله، الإنسان فرداً، الإنسان والمجتمع، الطبيعة، النبوة والوحي، الإيمان بالآخرة، الشيطان والشر، ظهور أمة الإسلام)، ويختم الكتاب بملحقين عن الوضع الديني للأمة الإسلامية في مكة، وأهل الكتاب واختلاف الديانات.
لعل أهم ما يميز الكتاب هو المنهج الذي سلكه في مقاربة هذه القضايا والذي يصنف اليوم في الدراسات القرآنية ضمن ما يسمى "التفسير الموضوعي"، ويقدم المؤلف تبريراً لهذا المسلك بأن منهج التفاسير التقليدية لا يؤدي إلى تبصر كامل بالقرآن أو إعطاء نظرة متماسكة عن العالم الغني الذي يزخر به، كما أن ترتيب سور القرآن بحسب موضوعاتها لا يقدم العون أيضاً، لذلك اعتمد على الترتيب المنطقي، فالعرض التركيبي هو الوسيلة الوحيدة لتمكين القارئ من تذوق حقيقي للقرآن.
يعرض فضل الرحمن منهجه في سياق نقده للتيار الغالب في الدراسات الغربية عن القرآن والتي أسرت نفسها في تركيب سور القرآن وآياته وفق الترتيب الزمني -الذي يراه أمراً مستحيلاً- وأعرضت عن وصف المحتوى في القرآن وهو الأهم، وفي المقابل يواجه الباحثون المسلمون صعوبات تتصل بعدم وجود شعور حقيقي بملاءمة القرآن للعصر الراهن، وخوفهم من أن أي تقديم له يوائم احتياجات الانسان المعاصر قد ينحرف في بعض نقاطه عن الآراء التقليدية ومن ثم الوقوع في أخطار التبرير.