من نافذة غير مرئيّة، يدخل غرفتي عصفور، حاملاً في منقاره غُصناً من أوراق الرّوائي والمترجم المغربيّ أحمد الويزي. يقترب الأمر من أحجية! فقد تحوّلتُ بعد صفحاتٍ، من متلقٍّ إلى متأمّل فمشارك في حرب المؤلِّف ضدّ أسرار واعترافات نادرة، لا تقبل الغشّ. ذلك أنّ الحبل الذي اختار الويزي التوازن عليه، حبلٌ دقيقٌ رقيقٌ، يشترط معرفة البلاد بلهجاتها وسلالاتها، والدُّرْبة الكتابيّة الواثقة، والحساسية المرهفة.
في هذه السّيرة، يدقّق الويزي النّظر في مرآته الخاصّة أولا، وفي اللّامعقول الذي تسورَه في طفولته وصباه، برباطة جأش وتحديق شجاع في هول طفولته، وفواجع صباه ومواجع شبابه.
واللّافت أنّ الويزي يقابل كلّ أشكال التّضاد - بين المعطى والمنشود في سيرته - بصراحة نادرة، وكأنّه يجلس فوق بركان من اللّذة، رغم أنّه تحدّث بإسهاب في هذه البّانوراما الجوانيّة، عن ضعفه وهشاشته، وهول اختناقه كطفل هيّاب مرتاب، وصرخات صبيٍّ غِرّ ضدّ شَرٍّ مخيف، في لعبة سرديّة مغرية للسّامع المستمتع.
وسأسمح لنفسي بأنْ أزعم، بعد أن انتهيت من "نكاية في هراقليطس"، بأنّ أحمد الويزي ما يزال بمقدوره أن يرتقي جبل الإبداع، حتى القمّة العالية، وثْباً!
صلاح عبد اللطيف
روائي عراقي مقيم بألمانيا