بدو العراق والجزيرة العربية بعيون الرحالة - علي عفيفي غازي
تعد كتب الرحالة مصدراً بالغ الأهميّة في الكتابة التاريخية؛ لاسيّما في التاريخ الحديث والمعاصر. وتزداد أهميتها بالنظر إلى طبيعة المناطق الجغرافية التي يتحدث عنها الرحالة، يكمن مصدر الأهميّة في أمرين: الأول هو أنّ الرحالة يكتبون دون إدراكهم أنّهم يساهمون في الكتابة التاريخية حول تلك المناطق والمجتمعات التي يخصّونها في كتبهم أو ما ينشرونه بشكل عام. الثاني: أنّهم يفردون مساحات للحديث حول تفاصيل عزّ أن تركّز عليها المصادر التاريخية الاخرى.فكُتب الرحالة تنفرد في تركيزها على المفردات اليومية للحياة ومايتعلق بها من تفاصيل اجتماعية واقتصادية، وهي بذلك تتميز على غيرها من المصادر التاريخية. وإلى هذا، وحيث إنّ منطقة الجزيرة العربية والعراق تحتل مكانة بارزة في ما يسمى "بالمشرق العربي"، فقد لقيت اهتماماً كبيراً من قبل الرحالة، فأصل الكثير من القبائل العربية التي انتشرت خارج الجزيرة العربية يعود إلى قبائل موطنها الأصلي شبه الجزيرة العربية، لكنها انتقلت إلى خارج الجزيرة العربية تحت تأثير العوامل الاقتصادية.من هُنا كان التركيز في هذا الكتاب على البدو؛ تحديداً في شبه الجزيرة العربية والعراق، تركيزاً يعرض لتنوع الحياة ومظاهرها لديهم من وجهة نظر عدد من الرحالة الأوروبيين، والكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات تتناول جوانب من حياة بدو العراق والجزيرة، من خلال رصد هؤلاء الرحالة لها، وتدوينهم مؤيدين أو معترضين، ناقدين أو منفعلين.وتجلى عمل الباحث في جمع هذه المقالات وتقديمها في إطارٍ لغوي سهل ومترابط، بهدف تسهيل عمل الباحثين والمهتمين في موضوع الرحّالة وآثارهم من أجل استمرارهم في رصد الكثير من كتب الرحالة، التي ربما لم يتم الإطّلاع عليها – أو ترجمتها إلى اللغة العربية، يضاف إلى ذلك كلّه أنّ هذا الكتاب يعدّ مساهمة جادة في التركيز على محتوى كتب الرحالة ومضامين ما يقدم فيها.وبالعودة، فإن القارئ، سيستمتع بهذا الكتاب حيث يقرأ فيه جوانب من قصص عن بدو العراق والجزيرة العربية والتي لم يأت ِعلى ذكرها أحد، وخاصة في كتب التاريخ. يقترب القارئ أكثر وأكثر من حياة البدو في هاتين المنطقتين، يتعرف على عاداتهم وتقاليدهم، أفراحهم وأتراحهم، مناسباتهم الاجتماعية، ملابسهم وغير ذلك من مسائل مغرقة في روي التفاصيل حول ذلك كله.وليس ذلك فحسب، وبالمقابل، فإن هذه المقالات تكشف بالتالي عن جانب هام يتعلق بالرحالة الأوروبيين، وتعكس مدى نضولهم المعرفي من خلال تركيزهم على المفردات الاجتماعية لحياة البدو، وتتبع أدقّ التفاصيل في حياة هؤلاء البدو بهدف إرواء نضولهم المعرفي، لتدوين مشاهاداتهم وإغناء كتبهم ومقالاتهم بمسائل لم يتطرق إليها أحد من قبل.