“الصمت نوع من الموسيقى“.. تقول ويمالا، المعلمة التي تقضي أسابيع إجازة المدرسة في سكن المعلمات اللائي يغادرن جميعاً إلى قراهنوبلداتهن، بينما تبقى هي في المنزل ذي العشرين غرفة، في منطقة نينيتال الجبلية في ولاية أوتراكاند الهندية الآسرة بجمالها الطبيعي،والتي تطل على جبال الهيمالايا المغطاة بالثلوج ناصعة البياض. وفي أجواء الوحدة التي فرضتها ويمالا على نفسها، تنشط الذاكرة لتستعيدالتفاصيل الصغيرة، بلا منطق سوى شطحات الوعي واللاوعي، وفي هذه الشطحات الصامتة يتجلى صوت الموسيقى.
امرأة في منتصف العمر، تنصت إلى دواخلها، هروباً من ماض عائلي قاس، وتشبثاً بذكريات قصة حب لم يتبق منها سوى ذكريات عميقةتسكن دواخلها ولا تغادر، كما تفعل هي في هذا المبنى العتيق.
تتداعى الذكريات وتشتبك مع تلافيف الخمائل والأشجار التي تتأملها ويمالا في نزهاتها، لتقاتل الوقت، بينما تطاردها أشباح الماضي،فتسطع ملامح وتخبو أخرى؛ تماماً كما تفعل البحيرة حين يهطل عليها الضباب الكثيف فتغدو سديماً يخاتل الرائي فتتشوه رؤيته متسائلاً: أهي بحيرة من ضباب أم واحة بيضاء من خمائل الصقيع تطفو على المياه؟!
قليلة هي الروايات التي اتخذت من تيار الوعي أسلوباً سردياً، وقد تمكن الكاتب الهندي ناير من منح السرد بهذا الأسلوب سمْتاً خاصاًمغزولاً بمزيج من عناصر ثقافة الهند المحلية وطبيعتها الخلابة بحساسية وكثافة؛ كاشفاً بذكاء بين وعي الإنسان بذاته وعلاقته بالطبيعة منحوله.
رواية آسرة في قدراتها على التقاط موسيقى الصمت، لأنها في جوهرها موسيقى الكون!