هذا الكتاب عبارة عن تعريف بعلم الأنثروبولوجيا والذي يجهل عنه الجمهور الجامعي -من الطلبة- الكثير، بوصفه علمًا اجتماعيًّا قائمًا بذاته، وموضوعه الخاص ومناهجه ونظرياته.
تاريخ دخول هذا العلم إلى الفضاء الأكاديمي في الجزائر ليس بالبعيد، بوصفه تخصُّصًا قائمًا بذاته، ما جعل حضوره فرض في مرحلة الليسانس (ل.م.د.) بوصفه بعدًا معرفيًّا يتوجب على الطالب معرفة مبادئه، ومن دون أدنى شك، تعتبر الأنثروبولوجيا علم معروف ومعترف به على أنه تخصص ميداني بامتياز, وذلك بفضل صرامة أساليبه وتقنياته في التحقيق، وهذا على الرغم من ظهوره المتأخر مقارنة بالعلوم الاجتماعية الأخرى، إلا أن جذوره تعود إلى العصور القديمة، حيث شهدت العديد من الحضارات، مثل الحضارة المصرية واليونانية والصينية، على وجود فكر ما قبل الأنثروبولوجيا، وبالتأكيد مشتت حقًا وبه العديد من الثغرات، ولكنه يشكل إرثًا مهمًا للعصور المستقبلية، ولم ينقطع خيط هذا التأمل، بل تعزز مع العصر الحديث، خاصة بعد المآثر التي حققها المستكشفون والمبشرون في العالمين الغربي والعربي الإسلامي، الاكتشافات التي تمت في ذلك الوقت، ألزمت أوروبا الاعتراف بوجود شعوب أخرى ذات ثقافات وأساليب عيش مختلفة، غير معروفة في أوروبا.
ونتيجة لذلك، اكتمل هذا المنظور الجديد في عصر النهضة والتنوير، ما سمح بظهور التيار الإنساني الذي عهد على نفسه مهمة إعادة النظر في الإنسان ككائن فريد، ومنذ ذلك الحين، غيّر الفكر الفلسفي منظوره لاستيعاب فكرة تنوع المجتمعات والثقافات على الرغم من وحدة النفس البشرية.
من الجدير بالملاحظة أنه على الرغم من أصوله البعيدة التي تعود إلى العصور القديمةـ إلا أن علم الأنثروبولوجيا لا يزال تخصّصًا أكاديميًّا حديثًا، لا يتجاوز ظهوره القرن ونصف، ويعزو هذا الظهور المتأخر بالعقبات التي واجهها في البداية، مثل تحديد موضوع الدراسة والمناهج والنظريات… إلخ.