يمكننا أن نميز في فلسفة التفكيك بين طورين، تغيرت بينهما موضوعات هذه الفلسفة وقضاياها، بينما بقيت مفاهيمها وأدواتها دون تغيير.
أما الأول، فقد اصطبغت فيه تفكيكية دريدا بطابع نظري خالص، بل وأضافت إلى الفكر الفلسفي النظري طابع الجفاف، إذ انصبت على مشكلات اللغة والعلامة والمعنى والدلالة والتكرارية وغيرها.
وتناولتها تناولاً تجريدياً صارماً، وقد ظهر ذلك في قراءتها للبنيوية اللغوية، وموقفها من تاريخ الكتابة في الفكر الغربي، ومساءلتها المتكررة للفكر الماهوي في تاريخ الفلسفة، ومحاولتها الدؤوبة لنقض منطقه وإضاءة هوامشه.
ورغم أن التفكيك قد تجاوز في هذه المرحة حدود الفلسفة ليلج عالم النقد الأدبي، إلا أنه بقي محصوراً في المجال الأكاديمي الضيق.
أما في الطور الثاني، فقد اختار دريدا التوجه إلى مشكلات عملية، فنقَل إهتمامه باللغة مثلاً من نطاق النظر المجرد إلى فضاء التداول والتفاعل الإجتماعيين، ومع أنه اتخذ من الفلسفات التداولية مواقف رافضة، وجمعته بأعلامها جدالات عنيفة، فإن ذلك لم ينكر عليه إنتماءه إلى هذه الفلسفة ومساهمته فيها.
وقد تُوج هذا التوجه بأن استقر على تناول قضايا عملية، فاختار الحديث عن القانون والعدالة والحق والعنف والقوة والسلطة والدولة وغيرها، في أبعادها الأخلاقية والسياسية والتاريخية، وصارت له مواقف واضحة من الأحداث الراهنة، مثل الحرب والتطرف والإرهاب وحوار الأديان وغيرها.