هذه المختارات يجمع بينها قاسم مشترك هو الشعر وإن فرّق بينها الزمن والاتجاه، فقد صنف النقاد شعراءَها ضمن مدارس أو حركات أدبية مختلفة، سيلفيا بلاث وفرخزاد، مثلا، في خانة “الشعر الاعترافي”، جيمس رايت وروبرت بلاي، في خانة “الصورة العميقة”.
ويمكن أن ننظر إلى هذه المختارات من زاوية كونها محاولات في ترجمة الشعر أو شعرية الترجمة، حينما ينجح مترجم مثل إليوت، أو بلاي، في الإمساك بالقصيدة في محاولة منه للعثور على ذاته في نص آخر، عبر اختراق حجابات شاعر آخر، وانتزاع قشرة النص والدخول إلى لبه، أو لفتح نافذة أخرى نطل منها على مهارة الشاعر المترجم وبراعته وهو يفك أختام نص محكم الغلق وصولا إلى الحقيقة الساطعة وهي أن “ما يبقى، يؤسسه الشعراء”، لأن الشعر تأسيس بالكلمة وعبر الكلمة.
وتتساءل المترجمة في مقدمة الكتاب الصادر عن منشورات المتوسط -إيطاليا: كيف يمكن الوصول إلى ترجمة نابضة بالشعر؟ وما هي عدتها؟ أيمكن القول إن الموهبة الشعرية هي الشرط الوحيد لإتقان ترجمة الشعر، إلى جانب امتلاك ناصية اللغة؟ ربما تتضافر عوامل عدة لإتقان ترجمة الشعر، منها مثلا الرغبة بالترجمة والشغف بها، المثابرة والدأب، غزارة المعرفة، الموهبة، وقد تكون اللذة التي لا يشعر بها إلا مَنْ يخوض هذه المغامرة.
والكتاب يقترح مختارات لأفكار وقصائد وترجمات في ماهية الشعر لأيقونات ثقافية، كانت شاهدا على زمن الشعراء الكبار، من أمثال إليوت وهولدرلين وروبرت بلاي وتوماس ترانسترومر. ونقرأ مقالاتهم وما كتب عنهم وعن اشتغالاتهم الشعرية والفلسفية وترجماتهم بأقلام أسماء من أمثال هيدغر، وروكسانا برسانو ووليام فريدمان وغيرهم.