يسلّط هذا الكتابُ الضوء على مرحلةٍ في التراث الشعري العربي تُعتبر ثوريةً في إنجازاتها، ومتميّزةً بوعي شعرائها بأنفسهم؛ باعتبارهم مسؤولين عن إبداع شيءٍ جديد. إنّه على الرغم من الاعتراف بأهمّية التجربة العباسية، إلا أن معظم النقاد الأدبيين لا يُشرِكونها في النقاشات التي تتناول الشعر الحديث في القرن العشرين. وفي النّهج الزمني الخطّي، نجدها تتعرض للإبعاد أو الدفع للوراء. إننّي أرى أن من الأهمية بمكان أن نربط بين المُحدَثين وبين مشروع الحداثة العربيّة؛ أن نُدخِل الشعراء العباسيين من أمثال أبي تمام وابن الرومي والبحتري، وبالتأكيد المتنبي الذي أتى في وقتٍ لاحق، في المناقشة التي تدور حول الشعر العربي واتجاهاته في عصرنا الحالي. توفّر لنا مقابلة مشروع المُحدثين وحركة الشعر الحر رؤى مُتبصّرة بالغة الأهمّية حول ما نعنيه تحديدًا بقولنا "التغيير الشعري" و "الثورات الشعرية"، وحتى الصّفات التي نستخدمها لوصف القصائد أو الحركات الشعرية، مثل "أصلي" أو "جديد".