صحيح أنّ بورمان ( 1628 – 1679)كان ابن كاهن هولنديّ تربطه علاقة وثيقة بديكارت، إلّا أنّ علاقة الصداقة هذه لم تكن هي السبب الوحيد وراء موافقة ديكارت على إجراء هذه المحادثة. فمن المعروف عن فيلسوفنا تواضعه الكبير، وسعيه الدائم إلى مساعدة الطلاب الشباب، وتلقينهم علومه الرياضيّة، والوقوف على أسئلتهم، والاستماع إلى هواجسهم، وتفسير ما التبس عليهم. لكنّ الأمر يتعلّق هنا، والحقّ يُقال، بشاب لم يدخّر جهدًا في قراءة نصوص ديكارت، والانكباب عليها انكبابًا صادقًا، والغوص في تفاصيل أحكامها غوصًا عميقًا. كلّ هذا سمح له بتسجيل اعتراضات تنمّ عن رغبة رصينة في المعرفة، وتُنذر بميلاد فيلسوف كبير. من جهته، أبدى ديكارت لطفًا وكياسة وتواضعًا في الإجابة عن الأسئلة الموجّهة إليه، فلم يتذمّر أو يعترض، بل استغرق استغراقًا تامًّا في تفصيل الاعتراضات، وتوضيح نقاط الالتباس التي قد تطوف في ذهن قارئه، فكانت المحادثة هذه فرصة له كي يستشرف الأسئلة المستقبليّة التي سيطرحها دارسو فلسفته، لذا لم يألُ جهدًا في توضيحها.
ديكارت