ثقافة العنف واللاعنف في الفكر الإسلامي - يوسف محمد بناصر
يعتبر العنف مشكلة ثقافية واجتماعية انسانية امتدت عبر التاريخ، وتعقدت مع اختلاط العنف بالمقدس، وتورط الفهم السيء للدين والتأويل المختلط بالنزعة الايديولوجية والعقائد المغلقة بمضامين بعض النصوص الدينية، وقد خاضت الثقافة والحضارة الاسلاميتين تجربة تاريخية مع مختلف أشكال العنف الديني عبر فترات الصعود والانحطاط، فانبثقت فرق اسلامية أسست رؤاها السياسية على السلوك العنفي بعد أن عززته بخلفية دينية، ولايزال ذلك يؤثر على التاريخ الاسلامي سلبا لأنه أمسى مرجعية معتمدة عند بعض الجماعات الجهادية المعاصرة.
إن مواجهة العنف الديني لا تكون إلا بالمعرفة والتربية على حرية الفكر والضمير والارشاد للإبداع بدل السقوط في فخ الرجوع المكثف للعقل الماضوي، وهذا الرجوع يعني السقوط المتكرر على عتبات أحداث مأساوية تاريخية؛ باستعادة بعضها بما تتضمنه من ثقل على المستوى العاطفي والروحي والمعرفي والسلوكي. إن العمل على تنمية القيم الروحية وتوسيع آفاق التواصل والتعارف يمكن المجتمع المسلم من تجاوز ثقافة الانغلاق التي سقط صريعا بسببها لمدة الاستعمار، فأنتجت لديه الاحساس بالكراهية والبغض وثقافة الالغاء وعدم الاعتراف كردة فعل فيما بعد.
يعد العمل السلمي واللاعنفي كما تدبير الحوار والصراع ثقافة غير معترف بها إلى الآن؛ في ظل سياق مجتمع يعيش على العنف والتطرف وتصاعد الكراهية بين مختلف مكوناته العرقية والمذهبية والسياسية..، والعمل على تجاوز هذه السلبيات وتشكيل ذلك الوعي والثقافة لا يكون إلا بإعادة قراءة النصوص الدينية بعقلية مستوعبة لتحديات العصر ومشكلاته المعقدة، ويمكن تعريف تلك القراءة بأنها هي القدرة على امتلاك معرفة لا تتحيز للماضي وعقل تنويري نقدي لا يتعامل مع النصوص دون منهجية مقاصدية مع انفتاح على انتاجات المعرفة الانسانية والاستفادة منها دون توجس وبمختلف مجالاتها.
إن مختلف الثقافات الانسانية تعيش على وقع عنف في غالب الاحيان تكون خلفيته دينية، والمعرفة والمجتمع الاسلاميين ليسا بدعا عن تلك الثقافات، ويبقى السبيل للتحرر من هذه الرذيلة أن تتظافر جهود الباحثين والمربين والمفكرين بمختلف تخصصاتهم لتأسيس بيداغوجيا تصحح بعض المفاهيم والسلوكات التي تبقي حجم ثقافة العنف متضخمة ونابضة في المجتمع، مما قد يساعد على تجفيف منابعه وتعويضه بثقافة التعايش والسلم والمعرفة والقدرة على الانفتاح والتواصل، وبناء جيل مستقبلي يطمح للسلام ويخدمه ويسمو بروحه وسلوكه ومعرفته حتى يصل للكمال الإنساني والحضاري.