الحاضر في هذا الكتاب أسير التأريخ. ما من ظاهرة يعالجها هوشنگ وزيري، من الإقتتال الكردي مروراً بسقوط التمثال، أزمة كركوك، حتى الإقتتال الطائفي، إلا ولها جذر وامتداد اجتماعي تاريخي. كتاب (بلاد ما بين عراقين) هو سجل لأزمات العقود الثالثة الأخيرة من تاريخ العراق الحديث. سنوات مشحونة بالعنف والصراعات، وسجل اختراقات السلطة السياسية لكل مستويات المجتمع العراقي. يتعدى هوشنگ في معالجاته البعد السياسي الآني للأزمة، ويزيل الأوهام عن الصدفة ونظرية المؤامرة، فيرى في الأزمات الراهنة بعد بنيوي يكمن في مجتمع فسيفسائي بامتياز، (هويات) تتعايش مع بعضها البعض داخل الخارطة العراقية، لكن هذا التعايش محكوم بهشاشة نسيج العلاقات التعايشية بين الأعراق والأقوام في العراق. تتراوح المعادلة دائما بين التعايش والتمزق تبعاً لعالقة الجماعات فيما بينها، وقبل ذلك بينها ككل مجتمعي وبين السلطة. السلطة، خصوصاً في فترة السبعينيات وما بعدها، كما يرى هذا الكاتب الكردي الهوية والعربي الثقافة، أوضح مثال على الرفض المطلق الذي مارسته الدولة إزاء الهويات الأخرى، وإلغائها الكلي لكل ما يخالف هيكلتها الكلية في اللغة والرؤية والإيديولوجيا. في مجتمع بهذه الهشاشة تستطيع السلطة تمزيق البلاد جغرافياً والإطاحة بين ليلة وضحاها بكل ما انجزه العراقيون على مر السنوات الأخيرة. سلطات الخوف تحيل الخوف متراسا بين الجماعات، الخوف من الآخر القومي والمذهبي، والخوف من السلطة، خوف قابل للتفجر وللتفجير في دولة هشة التكوين، استبدادية بامتياز. وللحدث في ذهن هوشنگ «خريج المسرح» بعد رمزي ومسرحي، حيث الجزء يعبر عن الكل في مجتمع ملغوم بالعنف والخوف من الآخر ومن الأعلى ومن أعداء حقيقيين ومجازيين.