الروائي النرويجي يون فوسه — الحاصل على جائزة نوبل في الأدب لعام 2023 تقديرًا «لأدب يمنح صوتًا لما لا يُقال» — يقدّم في روايته «الاسم الآخر» (الجزء الأول من سلسلته السباعية المنفصلة) تجربة روائية متفرّدة تتجاوز الشكل التقليدي للسرد، لتتحول إلى تأمل طويل في الهوية والوجود والإيمان. نالت الرواية مكانة عالمية بعد وصولها إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية عام 2020، وأشاد بها النقاد بوصفها نصًا يعيد تعريف العلاقة بين الوعي والزمن، بين الإنسان وظلّه، بلغةٍ متدفقة لا تعرف الفواصل ولا تتوقف عند الحدود المعتادة للجملة. تدور الحكاية حول آسله، رسّام يعيش وحيدًا في بيت صغير على الساحل الغربي للنرويج، حيث يكتشف وجود «آسله آخر» يعيش حياة موازية لم يخترها. عبر هذا الانشطار المدهش، تتحول الرواية إلى رحلة داخلية عميقة في معنى الذات؛ يتأمل البطل فيها حياته، إيمانه، وخطاياه، فيما تتداخل الذاكرة مع الحاضر في تدفقٍ لغويّ يشبه الموج أو الصلوات الطويلة. قال أحد النقاد إن الرواية «تجسيدٌ لوعي يراقب نفسه حتى يضيع الفرق بين الراوي وظله»، بينما وصفها آخر بأنها «قصيدة نثرية عن الوحدة والفنّ، مكتوبة بأنفاسٍ دافئة وبطيئة كأنها صلاة». أسلوب فوسه هنا هو بطل النصّ الحقيقي. جُمل طويلة تتكرّر بانسيابٍ محسوب، لا ملل فيها، بل إيقاع تأمليّ يخلق موسيقى داخلية تُغرق القارئ في حالة من الهدوء والتركيز تشبه التجربة الصوفية. كل تفصيلٍ صغير — حركة يد، ضوء نافذة، انعكاس على الماء — يتحول إلى حدثٍ كونيّ، وكل تكرارٍ يحمل نغمةً جديدة، كضربة فرشاةٍ على لوحةٍ لا تكتمل أبدًا. ومن خلال هذه التقنية، يجعل فوسه القارئ يعيش الرحلة لا بوصفها حكاية، بل كاختبارٍ للزمن والذاكرة والروح. الاسم الآخر ليست مجرد رواية، بل تجربة وجودية عميقة، تُعيد القارئ إلى جوهر الأدب نفسه: كيف يمكن للكلمات أن تقترب من الصمت دون أن تنكسر؟ إنها نصّ عن الإنسان في وحدته، عن محاولة التصالح مع المرآة التي تعكسه مرتين: مرةً كما هو، ومرةً كما يخاف أن يكون. فهل نحن فعلًا ما نراه؟ أم أننا، كما يقول فوسه، «الاسم الآخر» لأنفسنا في حياةٍ لم نخترها؟ قرأءة المزيد