هل يصلح "حصان طروادة" لتفسير ظاهرة استقالة العقل في الإسلام؟ بعبارة أخرى، هل يمكن رد أفول العقلانية العربية الإسلامية إلى غزو خارجي من قبل جحافل اللامعقول من هرمسية وغنوصية وعرفان "مشرقي" وتصوف وتأويل باطني وفلسفة إشراقية وسائر تيارات "الموروث القديم" التي كانت تشكّل بمجموعها "الآخر" بالنسبة إلى الإسلام، والتي اكتسحت تدريجياً، وبصورة مستترة، ساحة العقل العربي الإسلامي حتى أخرجته عن مداره وأدخلته في ليل عصر الانحطاط الطويل؟ إن الجابري، إذ يتبنّى هنا أطروحات مدرسة بعينها من المستشرقين، ويسِقط بالتالي على الإسلام تاريخَ صراع الكنيسة مع الهرمسية الوثنية والغنوصية الهرطوقية والديانات العرفانية، وأخيراً مع الأفلاطونية المحدثة التي مثّلت خط الدفاع الأخير عن العقلانية اليونانية، إنما يمارس في ساحة الثقافة العربية الإسلامية ضرباً من استشراق داخلي أسير لمركزية مزدوجة، غربية ومسيحية في آن معاً. هذا الجزء الرابع من "نقد نقد العقل العربي" لا يحاول فقط أن يرد الاعتبار إلى عقلانية الموروث القديم، وأن يتصدّى لتفكيك أساطير اللامعقول التي نسجها الجابري- بالاستناد إلى ركام من الأخطاء والمغالطات المعرفية- حول "الإسكندرية موطن الهرمسية" و"أفامية معقل الغنوصية" و"حران منبع العرفان المشرقي"، بل يحاول أيضاً أن يجيب عن السؤال التالي: هل استقالة العقل في الإسلام جاءت بعامل خارجي، وقابلة بالتالي للتعليق على مشجب الغير، أم هي مأساة داخلية ومحكومة بآليات ذاتية، يتحمّل فيها العقل العربي الإسلامي مسؤولية إقالة نفسه بنفسه؟