يعبّر كتاب سليمان البستاني «عبرة وذكرى... الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده» عن الآمال التي علقها دعاة الحرية والدستور على هذا الانقلاب الدستوري في العام 1908 والذي كان بمثابة ثورة فرنسية كبرى ستغير في مصائر الدولة وتنقلها إلى مصاف الدول القوية والحديثة وسيحمل معه حلاً لكل ما تعانيه من ضعف ومشكلات. وهو أيضاً مرآة للأفكار والتصورات والآمال لدى الجيل الذي شارك في صنع الانقلاب. يقول السفير خالد زيادة والذي قام بتحقيق ودراسة الكتاب ان سليمان البستاني (1856-1925) شخصية أدبية وسياسية بارزة وقد عرف بصفته مترجماً للإلياذة وهو العمل الذي استغرق منه ست سنوات، فباتت تلك الترجمة علامة فارقة في الأدب العربي الحديث، كما ان برنامج البستاني الإصلاحي ليس ابن ساعته، فالمعلومات والمعطيات التي يقدمها تنم عن تفكير عميق بأحوال الدولة العثمانية ورؤية تستند إلى دور الاقتصاد في نهوض الأمة العثمانية بشعوبها المختلفة، فهذه البلاد تحتضن طاقات اقتصادية لم تستغل ولم تستثمر، من الزراعة إلى الصناعة إلى الثروات الطبيعية وصولاً إلى السياحة.
يرى زيادة أن كتاب «عبرة وذكرى» لا يقتصر على كونه برنامجاً اصلاحياً وإنما هو في الوقت ذاته رؤية نظرية لماضي وحاضر ومستقبل الدولة العثمانية. وهذه الرؤية النظرية تتوزع على ثلاثة مستويات: مرجعية الإصلاح - تفكيك الاستبداد - وحدة الدولة والشعوب العثمانية.
ويستعرض البستاني سريعاً في بداية
كتابه محاولات الإصلاح خصوصاً منذ عهد السلطان سليم الثالث الذي أعلن أول
مشروع إصلاحي في نهاية القرن الـ 18، ومحمود الثاني الذي عمد إلى إلغاء
قوات الانكشارية، وصولاً إلى عصر التنظيمات الذي ابتدأ مع إعلان خط كلخانة
الإصلاحي في عام 1839 في بداية عهد السلطان عبد المجيد واستمر خلال عهد
السلطان عبد العزيز الذي توج بإعلان الدستور عام 1876 في بداية عهد السلطان
عبد الحميد الثاني والذي يذكر البستاني فضله مرتين المرة الأولى لعمله على
إنشاء خط الحجاز الحديدي والمرة الثانية حين يستعرض احوال العلم والمدارس
فيذكر فضله في فتح المدارس والمعاهد في انحاء السلطنة.