إن صورة الدولة العثمانية كانت وحتي وقت قريب يحيط بها الكثير من الأساطير المضللة، إذ وصل الحد بالبعض إلي التحقير من شأن الدولة العثمانية علي أنها رمز »الاستبداد الشرقي« ولعبت كتابات أغلبية المستشرقين علي هذا اللحن، وحتي بالنسبة للشعوب الناطقة بالعربية، تضاربت فيها صورة الدولة العثمانية بشكل كبير، ففي المغرب العربي كانت الدولة العثمانية بمثابة المنقذ الإسلامي الذي بعثه القدر كي يحمي »شمال افريقيا« من الهجمات الشرسة من جانب الأسبان المشبعين وقت ذلك بروح صليبية جديدة، نتيجة شعار »الاسترداد« في أعقاب سقوط الأندلس، وفي مصر كانت الدولة العثمانية بمثابة رمز للتخلف والتدهور الذي دخلت فيه مصر بعد فقدانها لعظمتها كمركز لأقوي قوة في شرق البحر المتوسط، ونقصد بذلك دولة المماليك ومركزها مصر، وفي رأي هؤلاء لم تخرج من هذا التدهور إلا علي ناقوس الحضارة الغربية متمثلة في الحملة الفرنسية، أو التحديث علي يد محمد علي.. أما عن الشرق العربي فلم تبق في الأذهان إلا الفترة الحرجة الأخيرة في عمر الدولة في الشام للقوميين العرب، ثم أخيراً ما عرف باسم »الثورة العربية« أو في الحقيقة »ثورة الشريف حسين«.. هكذا تاهت الصورة الحقيقية للدولة العثمانية مثلها مثل أي دولة عظمي.. لها ما لها.. وعليها ما عليها.
من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة الكاشفة، التي تقع في ستة فصول: نظام الامتيازات الأجنبية، التنظيمات، الوصاية الغربية علي الأقليات الدينية، القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية، جذور الفكر القومي التركي، وسياسة التتريك.
- د. محمد عفيفي
العثمانيه