الشرق القديم ونحن .. الكتابة ، العقل ، الآلهة

الشرق القديم ونحن .. الكتابة ، العقل ، الآلهة

بائع
المدى للنشر والتوزيع
سعر عادي
بيعت كلها
سعر البيع
25.00 SR
تكلفة الشحن ستحسب عند اتمام الدفع
يجب أن تكون الكمية 1 أو أكثر

منذ ستة آلاف سنة ق. ب نشأت بفعل اللقاء الحضاري السومري الأكدي ثلاثة معايير ( الكتابة – العقل – الدين ) . ومن بلاد الرافدين انتقلت هذه المعايير الى بقاع العالم القديم شرقا إلى بلاد فارس

 

 

 وغربا نحو يوريا ومن ثم الى اليونان . وعندما تبنتها الثقافات الأخمينية والآرامية والإسرائيلية واليونانية جرت عليها تحولات جذرية تارة ،وطفيفة تارة أخري لتظهر في تلك الحضارة أو تلك المدينة على شكل تيارات فكرية وأساطير ومعتقدات .
 في هذا الكتاب يحاول مجموعة من المؤلفين الغربيين من الفرنسيين والبريطانيين استخلاص جوهر الحضارات وتاريخ التفرعات الكبرى للحضارة اليونانية، مفندين اسطورة الأصليين النهائيين، مستندين على التنقيبات الأركولوجية  فنرى جان بوطيرو يبين الانعكاسات العديدة للاستكشافات الآشورية على رؤيتنا للماضي ، ويؤكد جان بيير بأن العقل الوضعي اليوناني لم يتكون من عدم بل من أساطير نشأة التكوين الرافدية.
      فالحضارة الرافدية وهي الشكل الأقدم لحضارة العالم نبتت في الجزء الجنوبي من بلاد الرافدين في الألفية الرابعة ق .م من لقاء السومريين القادمين من الجنوب الشرقي والساميين الأكديين القادمين من الشمال الغربي . فمثلاً اللغة السومرية وهي أول لغة تكلمت وكتبت وظلت الوحيدة في البلاد اضمحلت في عهد الأكديين وحلت محلها في الاستعمال الدارج ثم الأدبي ثم الرسمي اللغة الأكدية .وبفعل هذا التحول الثقافي التمازجي التدريجي أصبحت حياة البلد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والروحية تحت قبضة الأكديين . وفي هذا السياق يمضي المؤرخ جان بوطيرو في الاستدلال على اهمية اللغة السومرية باعتبارها أول وأثمن كنز تم اكتشافه حوالي 3200 ق . م من قبل الشعب السومري الذي بفعله تطورت حياتنا .فيبين لنا معاني الأحرف وعلاماتها ومقاطعها وأهميتها في الجانب الاقتصادي وفي الجانب الإداري والعدلي والأدبي والنظام الكوني والكهاني .وهنا يؤكد على أهمية الأخلاق في الحياة الرافدية من غير أن تكون هناك علاقة بالآلهة أو فكرة الحساب بعد الممات كجزاء أو عقاب مستنداً في ذلك على ملحمة كلكامش .
 أما المؤرخ كلاريس هيرنشميت فتحت عنوان ( الكتابة بين عالم مرئي وعالم غير مرئي بإيران وإسرائيل واليونان ) وفيه يشير إلى الأنظمة الثلاثة  الكتابية التي سمحت ببقاء وتطور الحضارات الأدبية الكبرى وصلتها بالكتابة المسمارية ،ويورد على ذلك أمثلة عن الكتابة العيلامية وتطورها ،وكيف كانت الأنساق ذات اللوغوغرامات والجداول المقطعية تشترك في تدوين اللغات وكأنها تدون شيئا خارجا مشيرا الى العلامة المقطعية التي تشير الى الوحدة الصوتية الأدنى  عنها  .
   وعن العلاقة بين الكتابة والدين المدني باليونان بين لنا جان بييرفرنان كيف كان الإغريق يعيشون في كنف ثقافة يلعب بها الكلام المقترن بالغناء والإيماءات والرقص  دورا اساسيا الى حدود القرن الخامس ق . م ليكون التواصل في إطار حياة مدنية ودينية على السواء  وفي القرن السادس انبعاث ملامح عقلانية مغايرة للأسطورة ويصبح يمتلك وظيفة ووزنا مختلفين عن السابق .
   فنتيجة النقاش الفلسفي الذي ميز الإغريق عن باقي الشعوب أصبحت فكرة كون المجموعة بغالبيتها تشارك في الشؤون العمومية وتتوفر على الحق في حرية الكلام وفي محاسبة الهيئة القضائية ولكل انسان له حق التعبير عن رأيه سواء كان فقيرا ام صانعا ام اسكافيا  فأن ذلك لا يمنع من أن يكون مواطنا وأن يتوفر على نفس الحق في الكلام المتوفر لكل المواطنين . وأصبح ينظر الى الكلام الذي يتفوه به اي شخص كان اثناء المناقشة ينظر اليه كحجاج وإقناع بمثابة عرض لوجهة نظر مبررة عقلانيا لما هو افضل بالنسبة للجماعة وفي هذا الصدد يشير المؤلف إلى عبارة ترجع الى النصف الثاني من القرن السابع ق . م " هكذا قررت المدينة "
 وبالنسبة الى الملك ففي اليونان لا يعتبر الملك بمثابة إله قادم من السماء الى الأرض ، وهذا ما يخالف التصور الهندي والروماني للملك فالعلاقة بين الملك والشعب كما صورها ارسطو في مؤلفه السياسة هي نفس العلاقة بين رب الأسرة وأبنائه والإنسان الحر والعبد . فأن حق المستبد مثل حق رب الأسرة بالنسبة لأبنائه هو جعل الآخرين يدفعون ثمن هذا الاستبداد وفي ذلك يؤكد المؤلف فرنان بأننا سنعاين شكلا من العلمنة في اطار غياب مجمعات الكهنة بحيث ينظر الى السلطة الملكية المطلقة بنوع من الواقعية باعتبارها سلطة مفروضة . وفي ظل مجتمع حربي وارستقراطي كمجتمع القرنين التاسع والثامن قان المشكلة الكبرى توجب تحييد هذه السلطة المؤسسة للنظام كما جاء في اساطير هزيود وعلى الجماعة يجب ايجاد وسيلة لتحييدها بإيجاد مؤسسات وأمكنة وممارسات قائمة على المساواة ليس بين الجميع ولكن داخل دائرة المواطنين ويصبح العنف مقترنا بالعدالة والسلطة مقترنة بالناموس . وهذا الاقتران يتم بالوقت نفسه على المستوى الفكري وعلى المستوى المؤسساتي . وفي هذا السياق يستشهد المؤلف بأحد المقاطع النادرة التي تجسد الديمقراطية الإغريقية ليختتم بيير فان بالحديث عن تاريخ المدن الإغريقية ومشيرا الى الفترات العصيبة والمؤلمة التي عرفتها المدن الإغريقية.