حيثما يوجد القمع, و القهر, و البطش, و كم الأفواه, و مصادرة الحريات, و ملاحقة الأحرار... يوجد: النفاق, و الكذب, و المراوغة, و الدجل, و الزعبرة, و الرياء... و في حين يغادر الشرفاء, الأحرار, ذوو الضمير الحر, و الرأي المغاير لرأي الجوقة, بلادهم, هاربين من جحيم الديكتاتورية... و يجلسون في المنافي ليكتبوا مذكراتهم المريرة عن الحضيض الذي تهبط إليه بلادهم الغالية, بسبب الاستبداد و حكم العسكر... يجلس المنافقون ليكتبوا التقارير الكيدية بأبناء بلدهم الطيبين, و ليكرروا العبارات الإنشائية, الخالية من أي طعم أو لون أو رائحة.. في مديح الديكتاتور, و في الدعاء لله جل جلاله أن يمد في عمره, و يشده بالصحة و العافية, و يبدد شمل معارضيه, و يجعل ألفهم واحدا, أو نصف واحد. يتمتع المنافقون عادة بالخبث و الملعنة, و المراوغة الزئبقية, و واحدهم, من شدة خبثه, يستطيع أن يصطحب أذكى أذكياء القوم إلى البحر, و يعود به عطشا... و لكنه, حينما يبلغ ذروة النشوة الناجمة عن سيره في ركب الديكتاتورية الفخم, المهيب, و تعاظم إحساسه بأن حظه السعيد قد جعله متواجدا في أحد الأطواق القريبة من (نجم) الديكتاتور المنير, تراه يخرج عن النصوص, و الألواح, و العهود, و المواثيق, التي يطلع عليها بوصفه رجلا مرضيا عنه من قبل (المعلم), و يجلس بين الناس ... و يزل لسانه بذكر الحقيقة!!..