اقتداء الغافل باهتداء العاقل - قطب الدين القسطلاني
صاحب هذا الكتاب هو محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن أحمد بن الميمون القيسي التوزري، الشيخ قطب الدين ابن القسطلاني، الفقيه المورث، الأديب، الصوفي، العابد. وُلدَ في ذي الحجة سنة أربع عشرة وستّ مئة. وسمع من والده، ومن الشيخ شهاب الدين السُّهْرَوردي، ولبس منه خرقة التصوّف. وسمع الكثير بمصر ودمشق من أصصحاب السَّلفي، وأصحاب ابن عساكر وبغداد من جماعته.وُلد بِمصر، ونشأ بمكّة، وسمع بها جامع الترمذي من أبي الحسن بن البنّاء، وسمع من أبي القاسم السهروردي كتاب عوارف المعارف، وسمع من الحسن ابن الزبيدي وجماعة. وقرأ العلم ودرّس وأفتى، ورحل في طلب الحديث. كان شيخاً عالماً، عاملاً، زاهداً، عابداً، نبيلاً، مهيباً، جامعاً للفضائل، كريم النفس، كثير الإيثار، حسن الأخلاق، طُلب من مكة إلى القاهرة فولّي مشيخة الكاملية إلى أن مات.توفيّ قطب الدين محمد بن علي القسطلاني سنة 686 هـ بالكامليّة. ترك مؤلفات كثيرة في الفقه والحديث وغيرها من المواضيع، إلّا أنّه من المؤسف أن لا يُنشر لقطب الدين القسطلاني أيّ عمل من أعماله في التصوف الإسلامي. إذ يعدّ المحدث والفقيه قطب الدين القسطلاني من أبرزعلماء الصوفية المجربين العاملين، ومن أقطابهم المعروفين، فقد كتب في التصوف كغيره من علماء الطائفة، ولا غرابة في الجمع بين التجربة والتأليف، فلا يكتب في التصوف إلّا من عاش تجربة عبّرت عن حاله ومارس رياضةً نفّس فيها عمّا في وجدانه، فقد ذاق قطب الدين القسطلاني مذاق القوم، ومن ذاق عرف. فقد ألّف هذا النص اقتداء الغافل باهتداء العاقل وهو ما كان مجهولاً وألّف الارتباط، وهو مؤلف لم يكن معروفاً عنه سوى عنوانه وموضوعه.هذا ويعدّ هذا الكتاب اقتداء الغافل من أقدم وأهمّ الكتب في موضوع النقد الذاتي عند الصوفية، فقد أخذ مصلحيهم على عاتقهم نقد المذهب وتأصيله وتعقيده، وبيان الأصيل من الدخيل فيه. هذا وقد عُرف مؤلفه بالأفكار على مدّعي التصوّف، والتصدي لهم، فهو المحدث والفقيه والصوفي، الذي أخذ التصوف عن أربابه العدول المتسرّعين والمتسنّين، فاشتهربمؤلفاته المليئة بالتشهير بالأدعياء منهم. ويمكن القول بأن الكتاب يوحي، ومن خلال عنوانه، بأنّه بمثابة مبادرة لإصلاح حال المتصوفة، أو التحذير منهم، وحثّهم على الإقتداء بأسلافهم من أعلام التصوف الذين جعلوا التشرّع منهاجاً لهم.وكما نقد القسطلاني أوضاع المتصوفة في عصره نقداً لاذعاً، كان عليه، بالتالي، أن يتحدث عن الأنمموذج الأمثل لما يجب أن يكون عليه الصوفي الحقيقي الكامل. وبهذا يقول: فإذا تبيّن وصف هؤلاء للعاقل تعيّن عليه أن يعلم وصف حال الرجل الكامل، وهو الرجل الذي فوتح قلبه بإقبال الإنابة، فدخل من باب التوبة إلى الإجابة، ثم جاهد نفسه في خلوته وعزلته بالانفراد، ثم صاحب التقوى والورع والزهد في سيره، ثم ترقّى إلى المقامات والأحوال، ثم إلى مقام المعرفة، ثم عمل على ترك مراداته، واجتناب الملاحظة لحظوظه، خصباً، عبداً حقاً، آثر الله على ما سواه في سرّه ونجواه، ولم يعتمد في أمره شيئاً من هواه... الخ.وإلى هذا، فإنّ عمل قطب الدين القسطلاني اقتداء الغافل... بانّه خصّص جزءاً منه للحديث عن المصطلح الصوفي، كما فعل سابقوه، أمثال سراج الدين الطوسي المتوفي سنة 378هـ / 988 - 989 م، في كتاب: اللّمع.كما امتاز كتاب القسطلاني أيضاً بأنّه اعتمد فيما كتب عن الأحوال والمقامات على نصوص لم تصل، ككتاب أبي الرحمن السلمي المعروف بـ مقامات الاولياء وكتاب المقالات في المقامات لأبي بكر محمد بن علي الغازي المطوّعي.