لهذا الكتاب قصة، لا تشبه طريقته المعتادة في الكتابة، حيث بدأ به كما اعتقد عام 2006، وهو عادة يبدأ بكتاب وينهيه لينتقل للآخر، لكنه هذه المرّة،توقف كثيرا بسبب المتغيرات الكثيرة والسريعة في الوضع السياسي العراقي ما بعد 2003، أثناء ذلك أنجز (الجزء الثالث) من الوجدان، وبقي هذا الكتاب عصياً على الانجاز، لأن مادته مرتبطة بتحليله الشخصي للوضع السياسي العراقي، الذي يختلف الكاتب أو المحلل في تقييمه لشدة تناقضاته المتجددة يومياً. أنجز بعد ذلك موسوعته الكردية، والتي استغرقته حوالي ثلاث سنوات، بذل فيها جهداً استثنائياً لعدم معرفته باللغة الكردية، ولم تترجم الى اللغة الكردية حتى لحظة كتابة هذه السطور. وأصدر موسوعته السريانية ليعود من جديد إلى أوراق المعارضة والذي حمل بداية عنوان (من قمم الجبال الى خيمة الاحتلال)، وتوصيف هذا العنوان يعود لمرحلة النضال العسكري (حرب الأنصار في كردستان العراق) ضد نظام صدام حسين آنذاك. ثم انضوت كل قوى المعارضة بعد 2003 ، تحت خيمة الاحتلال. ثم غيّر عنوانه إلى (أصدقاء في المنفى أعداء في الوطن)، الذي لا يحتاج إلى تفسير، لأن كل المعطيات أكدت أن قوى المعارضة قبل 2003، والتي ادّعت وحدتها في الهدف والأمل، أثبتت السنوات السود لاحقاً إنهم لم يتوحدوا حول أي شيء، وأولها مصلحة الوطن. وانكشف بشكل جليٌ وقاسٍ الاختلاف المهول في الرؤى وفي المواقف المصيرية، فتحول أصدقاء المنفى، إلى أعداء ألداء داخل وطنهم. هذا الأمر تسبب في تأخر صدوره، لأنه تأمّل أن يكون العنوان الذي اختاره خاطئاً فيغيره، لكنه كتبه وأكمله ورحل، وظل هو العنوان الأفضل والأكثر توصيفاً للمرحلة التي مضت والحالية، فقد أثبت، "أصدقاء" الأمس إنهم أعداء بعضهم. انتظر طويلاً، لكنه في النهاية أكمله أثناء فترة نزيف دموي لم يتوقف سواء في الوطن، أو في جسد فائق الذي بدأت علائم مرضه تزداد قسوة مع قسوة صراعنا الوطني.. قبل أن يغادرنا كان يأمل أن يراه.. هو الآن بين أيدينا، منجزه الأخير وباقي كتبه التي تؤرخ لمراحل سياسية مهمة في تاريخ العراق الحديث، بعضها بدأ بزمن صدام وانتهى بزمن أصدقاء بالمنفى، وأعداء في الوطن. صدر الكتاب بعد رحيل جسده عنا، لكنه مستمر معنا فكراً ونتاجاً، لأنه ينبوع عطاء لا ينضب.. سعاد الجزائري