كتب بلزاك هذه الرواية وهو في ربيع الحياة، وأوج الشباب، فقد كان في الخامسة والثلاثين من عمره، وقد درس الناس، وعرف الطبائع البشرية الأصيلة، فهو يقدم فيها نموذجًا بشريًا من نوع أصيل، هو الأب جوريو الذي خلق أبًا وكفى، وكانت أبوته هي كل شيء، بل هي الأبوة الخالدة التي لا تعرف غير الحنان الجارف، والتضحية الصادقة التي طفت على كل شيء وسلبته كل شيء، ولم تعرف في الدنيا شيئًا اسمه حب الذات أو اسمه الحق أو المن أو الأخلاق، ما دام الأب يهدف إلى سعادة أولاده. ولقد صور بلزاك في رواياته الحياة الإنسانية وما فيها من مقارنات سماها هو الكوميديا الانسانية، وهي في الواقع أحفل بالدموع منها بالإبتسام، وادعى إلى احتقار المجتمع الحافل بالمآسي، ولهذا كان الهدف الأول من هذه الرواية هو النقد الإجتماعي، وتصوير النفس الإنسانية، بما فيها من فضائل ونقائص، فهذا الأب الفريد في بر الأبوة يقابله عقوق البنوة العجيب، وإلى جوار ذلك شخوص تمثل النفاق، والطمع والخداع والقسوة.. والكاتب المبدع هو الذي يخلق نماذج بشرية، كلما طالعها الإنسان عرف فيها البشر، وعرف الطبيعة البشرية ذات العجائب والفارقات. ولهذا كانت رواية ألأب الخالد من الروايات الفذة التي ترتفع فوق المألوف في الصور الأدبية، والانتاج القصصي الجيد فقد جرى بلزاك في ابداع النماذج البشرية مع دستويفسكي العظسن أعظم المبدعين في هذا الميدان، وكلاهما ارتفع في الإبداع إلى ما فوق الزمان والمكان. للمزيد من إصدارات الدار بلزاك ، الاب قرأءة المزيد