هذا الكتاب منصب بالدرجة الأولى على الدراسة الموضوعية لأحوال العراق في حكم الحجاج، من الناحية السياسية والإدارية، وقد أخذنا بنظر الاعتبار، أن المبالغة والافتراء قد خالطا الكثير من الأخبار المروية عن هذه الفترة، ابتداءً من حياة الحجاج نفسه، إلى طريقة حكمه العراق. وقد قسمت البحث إلى مقدمة وستة فصول. يشمل الفصل الأول دراسة حياة الحجاج الأولى، وعهد نشأته ويظهر فيه أن أسرة الحجاج كنت معروفة بين أشراف ثقيف وأسراتهم، وكان لأبي الحجاج، دور بارز في الحياة العامة، وسرعان ما انضم إليه الحجاج. فانغمرا في حياة السياسة وخدمة الأمويين، وكانت النتيجة، أن تألق نجم عند عبد الملك بن مروان (65-86هـ/684-705م)، لما ظهر منه من كفاءة ومقدرة في تسيير الأمور، مما مهد السبيل إلى توليته حرب عبد الله بن الزبير (ت73هـ/692م) ومن ثم ولاية العراق. وفي القسم الثاني من هذا الفصل، تناولت أموراً مهمة من حياة الحجاج الشخصية، وحاولت تقويم شخصيته على أساس الروايات التي تطرقت إلى هذا الأمر، فتبين لي من خلال هذه الروايات-التي ركزت بالدرجة الأولى على عيوبه وحاولت إظهارها بمظهر بارز-أن هناك الكثير من الجوانب الإيجابية في شخصية الحجاج، ولم تحاول هذه الروايات أن تفصل فيها، أو تمنحها ما تستحق من أهمية. وقسمت الفصل الثاني إلى أقسام ثلاثة، سيشمل القسم الأول التحديد الجغرافي للعراق في عهد الحجاج، أما القسم الثاني، فقد تناولت فيه عوامل اختيار الحجاج لولاية العراق. وفي القسم الثالث درست مدى نجاح الحجاج فيما اسند إليه من مهام جسام، فتبين لي أهمية الإجراءات التي قام بها، والتي هدفت بالدرجة الأولى إلى تجنيد الجنود وإرسالهم لمواجهة الخوارج، كما هدفت أيضاً، إلى إقرار الأمن والنظام، واحترام سلطة الدولة في الولاية. وفي الفصل الثالث، تطرقت إلى الثورات المحلية، أسبابها ونتائجها وذلك عن طريق الدراسة المركزة لأسباب هذه الثورات. ويحتوي الفصل الرابع، وهو فصل التنظيم الإداري، على جملة الأمور والقضايا الإدارية التي تخص ذلك العهد، وتشمل الوظائف الإدارية واستخدام الموظفين في الولاية، والنظر في كفاءة الرجال ومقدار ما يقدمون من خدمات إلى الدولة، كما يشتمل هذا الفصل أيضاً على قيام الحجاج بحملة واسعة لتنظيم الجند في العراق ودراسة أحوالهم ومقدار أعطياتهم، وفي مجال الأمر وتوطيد النظام والاستماع إلى شكاوى المواطنين. كما بحثت مسألة تعريب الدواوين بتفصيل دقيق، مع الدراسة الجادة لأسبابها الرئيسة، بعيداً عن الروايات التي قدمت أسباباً ثانوية لا تشير إلى الدوافع الحقيقية التي دفعت الدولة للقيام بهذه المهمة الخطيرة. أما الفصل الخامس، فيضم قسمين كبيرين، الأول يتناول الإصلاح النقدي، ويبدأ بشرح مركز لتطوير العملة الفضية خاصة. وفي القسم الثاني تناولت موضوع الجزية والخراج، ومحاولة الحجاج رفع مستوى الجباية في العراق، فاستعرضت استعراضاً سريعاً وضع هذه الضرائب منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والراشدين حتى عهد الحجاج الذي حاول أن ينظم واردات الدولة من هذين المصدرين، فقام بإجراءات عديدة كانت مثار جدل ونقاش بين المؤرخين القدامى والمحدثين. وحاولت في الفصل السادس أن أقوم سياسة الحجاج في العراق بصورة عامة، فذكرت معظم المآخذ التي تؤخذ على حكمه، وقد ظهر لي أنه لا يمكن تحميل الحجاج وزر الكثير من هذه المآخذ، لأن بعضها كانت تنفذ من قبل سياسة الدولة المركزية، من ذلك مثلاً، جلب أهل الشام إلى العراق وزيادة أعطياتهم بالنسبة لما يأخذه أهل العراق. كما تبين لي أيضاً، أن الكثير من هذه المآخذ يعوزها الدليل القوي على الإثبات، خاصة اتهامه، بالتعصب للقيسية، أو بمعاداة العلويين وأنصارهم. قرأءة المزيد