في دراسة هنري ميللر الشاعر الفرنسي " آرثور رامبو" (1854-1891) تذوب الحدود بين دراسة الأدب والتأويل الإبداعي للتاريخ، واللحظة الحضارية، والسيرة الذاتية بوصفها نصاً في حالة صيرورة لا يمكن اكتمالها أبدا.
قلق النفوس الميتة ذاك هو ما يتقصى مكامنه الكاتب الأميركي "هنري ميللر" في كتابه "رامبو وزمن القتلة". ميللر بوصف رجل الأجواء المفتوحة، يبحر في سيرة معلمه الشاعر الفرنسي رامبو بحثا عن ماهية الفن: الرؤية، التألق، الشجاعة، والإيمان، ليستقطر منها عبق الحرية الصرفة، لقد وصف رامبو في اللغة الرمزية للروح، كل ما يحدث الآن من غياب للنهج الإنساني الحق، وذهب "ميللر" إلى التأكيد أن ليس ثمة تنافر بين رؤيا "رامبو" للعالم وللحياة الأبدية، ورؤى مجددي الدين العظام، فخلف رؤيا جديدة للسماء والأرض، تبشر بشهوة الحياة، كي لا يغدو الوجود الأرضي مجرد مطهر أو جحيم. من هنا نجد تقاطع كتابة ميللر الإبداعية – النقدية مع سيرة رامبو ونصه، والواقع الذي صار تشبيها لرموز الشر التي انفلتت دون كابح الكتابة، وتاريخها الخاص، فنستطيع أن نسمع صوت ميللر في تبشيره بالرعب الهائل، وتواصل حالة التشرذم أو الإنقسام الذاتي التي رصدها منذ نهاية القرن التاسع عشر عند دوستوفسكي ونيتشه، وهيدجر، وباشلار وغيرهم.
وعلى طول الكتاب يرصد ميللر حجم الإنقسام الداخلي عن رامبو، وارتباطه بحالة الإنفجار الحضاري باتجاه الشر، ثم يقوم بعملية توحد سري بمستقبل رامبو في الكتابة التي تطمح أن تبعث تمرده من جديد.