قراءة على هوامش السرد : مساهمة في إنشاء المعرفة الروائية - منذر عياشي
الأدب معرفة. وتُقدِّم الرواية - بوصفها أدباً - نوعاً من المعرفة التي يمكن أن نسميها "المعرفة الروائية". وإن هذا النوع من المعرفة يختلف بالتأكيد عن أنواع المعارف الأخرى، كتلك التي تقدمها العلوم كالفيزياء، والكيمياء، والرياضيات مثلاً، أو كتلك التي تقدمها العلوم الإنسانية في الفلسفة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع وغيره. ولكنها أيضاً، وفي الوقت نفسه، لا تستبعد المعارف التي تقدمها هذه العلوم عن ميدانها. ولكي يكون الأمر واضحاً يجب أن نقول إن الرواية تستفيد من كل المعارف التي تنتجها العلوم، ولكنها لن تكون بأي حال صورة لها. وشأن الأدب عموماً في ذلك، هو شأن كل العلوم التي تستفيد من بعضها من غير أن تفقد هويتها وخصوصيتها. ونعلم أن الأدب - والرواية منه خصوصاً - قد كان مجال اشتغال لبعض العلوم. فنشأ ما يسمى مثلاً "التحليل النفسي للأدب" و "التحليل الاجتماعي للأدب". وكما أن هذه العلوم ظلت مستقلة عن الأدب ولم تصبح صورة له، فإن الأدب ظل بدوره مستقلاً عن هذه العلوم، ولم يصبح صورة لها. وهذا ما يجعلنا نؤكد على أن المعرفة التي تقدمها الرواية، هي معرفة خاصة ومستقلة، سواء كان ذلك في إبداع هذه المعرفة، أم في تشكيلها، أو التعبير عنها.