الشاطبي : قراءة معاصرة لنص قديم - نورة بو حناش
يعد الدرس الفلسفي بدأ أن موافقات الشاطبي موسوعة تتجاوز مجرد السؤال الفقهي الأصولي إلى ما وراء ذلك، إنها تُظهر إلى حد بعيد أزمة الإجتهاد وأدواته التي تعني دائماً طلب التوسعة بغية تكريس العلاقة الجدلية بين النص والواقع.
هنا مكن "الشاطبي" من قراءة جديدة لهذه الأدوات التي تعني إدراج الحياة ضمن منظومة الإستنباط الشرعي، ذلك أن الإمام "الغرناطي" قد تفطن إلى أن منطق القياس الأصولي القائم على مجرد تتبّع العلة دون تحقيق المناط وتنقيحه وتخريجه يعني تشقّقاً في حياة المسلم وعيشه.
من هنا سيمكّن منهج الإستقراء المعنوي من تأسيس علم الشريعة على إختبار الواقع، هكذا كانت الجدارة التي اكتسبتها الموافقات، وبالتالي المواصلة في طرح التصور حول فلسفة التشريع الإسلامي.
بيّن الحفر المعرفي أن الموافقات هي موسوعة تكشف عن فلسفة عملية إسلامية، ولعل قسمة أبو إسحاق المقاصد إلى مقاصد الشارع ومقاصد المكلف ما يبين عن عقلانية التحليل وعن حضور الإنسان بوصفه فاعلاً بنظام يمكّن له الصلاح، لن تكون قراءة موافقات "الشاطبي" مجدية إلا إذا حضرّت الروح المغربية الأندلسية التي تميزت بوحدة العقلّين الفقهي والعَقَدي.
وهذا الكتاب مقدمة لفتح القراءة الفلسفية لأصول الفقه وتجاوز التكرار غير المجدي لأدواته، التي بدت في عصر الحداثة فاقدة لمرجعية التصور العلمي الدقيق، والأمة العارية عن تشريع ينظم ذات بينها هي أمة فقدت مصداقية الحضور والفعل، ولَعَمري الأمة الإسلامية تحيا منذ قرون حالة غير متوازنة بين القديم الذي يعود إليه أصلها والحديث الذي يجذبها إليه وبين هذا وذاك أصبحت فضاء حيوياً للنهب.