«لكل من الفيلسوفين ديكارت وليبنتز منحاه الفلسفي في وضع المبادي الفلسفية والعقلية التي ترتبط ارتباطاً كبيراً بالطبيعة ومناداتها. ديكارت تأمل في المسائل الفلسفية الكبرى، وبدا رحلته الفلسفية بشكه بالمعارف التي اجتّرها من أساتذته ومن الكتب اللاحقة والسابقة التي قرأها، ليبني فلسفة متماسكة. أما ليبنتز، فقد اتجه في منحاه سالكا طريق التأمل والخوض في ملابسات ما حوله، فتأكد الآن في هذا المحيط قسطاً من الحقيقة وصل من السابقين، ولا بد من بلورة ذلك وإيصاله إلى اللاحقين لتستمر كينونة الأشياء في تطورها الأزلي.
الانطلاقة الحية لليبنتز كانت بديهية بنى عليها براهينه الوضعية في فلسفته الرمزية. فالطبيعة برأيه هي مثل أي شيء متقن من دون بصيص خطأ صنعه الله بإحكام، معتبراً ان الله كجوهر الشيء الذي يبحث عنه في ميتافيزيقيته هو خالق الكون بشكل منقطع النظير، فلذا يُعدُّ أن الكون عبارة عن مجموعة من المركبات الفكرية المطبقة بأجمل صورة، ولكل مركب أجزاء دقيقة ولكل جزء دقيق أجزاء أدق من الدقيقة وهلم جراً، حتى يصل في مراحل التكوين الأخيرة إلى جزء غير قابل للانقسام لما هو أدق فيطلق عليه تسمية (المونادات) ويعني جسيمات غير مادية وغير قابلة التجزئة.
هذا الكتاب؛ يحمل مفهوماً في توسيع العلاقة الفهمية والثبوتية لمحيط الكائن البشري ومؤثراته الدنيوية البيئية للوصول إلى اصل الأشياء، وقد يكون في حينه هذا المنهج الذي اعتمد الرمز الجبري الرياضي لإثبات الأشياء؛ قد جاء من ميتافيزيقة عالية المرام، ولكن في عصرنا الحالي نرى ان البعد التاريخي للمونادات إذا أحببنا ألا نخرج خارج إطار مسميات ليبنتز، كان يجب ان يجد طريقه في تفسير التكوين لإثبات العلاقات بين الجزئيات المادية واللا مادية».