يشير تيليتش في هذا الكتاب إلى السمة المطلقة للواجب الأخلاقي، مدركا ومبينا، في الآن ذاته، تمظهرها النسبي في كل فعل يقوم به الإنسان وفي كل قرار يأخذه، ويواجه القارئ لدى تتبعه المادة السيرية التي تتصدر هذا النص، موهبة تيليتش المتفردة في تصوير التساكن البنيوي والقرابة بين التجربة الحسية والطبيعة المنطقية للعقل، فضلا عن تصوير توافقهما على الرغم من تجافيهما الظاهر، ذلك إن وطأة الوجود البشري، بمأزقه وعظمته، تكمن في جملة الإنسان من عهد لامتناه، كما تكمن، أيضا وبنوع من المفارقة، بمقدرته المتناهية لإنجاز هذا العهد والوفاء به، وهكذا، فإن البحث عن اللامتناهي في حياة كل إنسان، تاريخيا وروحيا، لا يدوم بسبب الطوارئ الوجودية للشرط الإنساني وإنما على الرغم منها، وتكمن في هذه العملية الطبيعة الغامضة للواقع كما للمثال، بما يمثل القبول النهائي والحاسم الذي يؤسس النضج الكامل للإنسانويتكون هذا الكتاب من المحاضرات التي ألقاها تيلتش في كلية القانون التابعة لجامعة شيكاغو، وقد أزمع، لو قدر له العيش أن يلقي المحاضرات ذاتها، في جامعة هارفارد ضمن البرنامج الذي يدعى هناك بمحاضرات نوبل، ويشع الصفاء النابض وغير الاعتيادي لعقل تيليتش وروحه عبر أنحاء النص، وقد ألهم هذا الصفاء رسومات شاؤول ستاينبرغ بالقوة والبصيرة ذاتيهما، ذلك إن تيلتش وستاينبرغ يمتلكان، كل بأسلوبه الخاص، تلك المقدرة الكارزمية المتعلقة، على نحو حميمي، بحاجة الإنسان العميقة للنظام للمزيد من إصدارات الدار قرأءة المزيد