"اللُغَةُ أَهَمُّ أَداةٍ مِن أَدَواتِ الحَضارَةِ".
هذا ما يُقَرِّرُهُ المُؤَلِّفانِ بِجُرْأَةٍ في تَصديرِهِما لِكِتابِ مَعْنَى المَعْنَى، وهوَ أَثَرٌ كلاسيكِيٌّ ظَلَّ مُحْتَفِظًا بِأَهمِّيَّتِهِ- وتَحَدِّيهِ- لِدِراسَةِ اللُغَةِ، والأَدَبِ، والفَلسَفَةِ مُنذُ أَنْ طُبِعَ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
إنَّ الكَثيرَ مِمّا يتعلَّقُ بِاللُغَةِ ما زالَ لا يَحظَى بِفَهمٍ فاعِلٍ، لِما يَلقاهُ مِن تَشويهٍ بِفِعلِ مَوقِفِنا المُعتادِ- الذي كَثيرًا مّا يتَّسِمُ بِسِمَةِ اللامُبالاةِ- تجاهَ الكَلِماتِ، أَو بِفِعلِ الافتِراضاتِ المُتَلَكِّئةِ التي تَسْتَنِدُ إلى نَظريّاتٍ غيرِ مَوثوقٍ بِها. فَما العَلاقَةُ بينَ الكَلِماتِ وما تُحيلُ عليهِ الكَلِماتُ؟ وبَينَ الكَلِماتِ والطَّريقَةِ نَفسِها التي نُفَكِّرُ بِها؟ وهَل يُمكِنُ أَن يُؤَدِّيَ فَهمُ هذهِ الأُمورِ إلى مَزيدٍ مِن الدِّقَّةِ في التَّواصُلِ؟ إنَّ القُرّاءَ المَعْنِيِّينَ بِهذهِ الأَسئلَةِ يَجِدُونَ أَنفُسَهُم في مُفتَرَقِ طُرُقِ الِلِّسانِيّاتِ ونَظريَّةِ التَّواصُلِ، والنَّقدِ الأَدَبِيِّ والفَلسَفَةِ- وهيَ مَجموعَةٌ مُترابِطَةٌ مُتَعَدِّدَةُ الاختِصاصاتِ يَقتَضيها حَقْلُ السِّيميوطيقا المُتَزايِدُ التَّأثيرِ- وسيُثْبِتُ كِتابُ مَعْنَى المَعْنَى أَنَّهُ مَصدَرٌ أَساسِيٌّ في ذلكَ، كما أَثبَتَ ذلكَ على مَدَى العُقودِ السِّتَّةِ الأَخيرَةِ.
وتَعرِضُ مُقَدِّمَةُ أُمبِرتو إيكو، الرِّوائيِّ والسِّيميوطيقِيِّ، لا بِحُكمِ المُصادَفَةِ، المُبَرِّزِ، مَنظُورًا ساحِرًا لِهذا المُؤَلَّفِ الرِّيادِيِّ الذي يُواصِلُ إقلاقَ الإخلادِ العَقليِّ وتَحفيزَ الفِكرِ والنِّقاشِ.