لا يترك الكاتب والروائي الكولومبي أنتونيو غارثيا آنخيل مساحة في جمله القصيرة، وانتقالاته الفجائية بين الحلم والواقع، تفصيلاً من تفاصيل حياة مدينة بوغوتا اليومية إلاَ وتوقف عنده أو أسهب في وصفه في روايته هذه «تداعٍ »، أقل مايقال عنها حكاية لصورة مقصودة عن تلك المدينة المتأرجحة بين مشاهد الفقر وملامح ثقافة العولمة وظلالها. متوالية من المشاهد اليومية المتكررة بين أمكنة المدينة عمد الكاتب إليها من أجل تكريس وجودها وتأكيد هويتها، فضلاً عن محاولة حثيثة منه لجعل مدينته حاضرة على امتداد أحداث الرواية، فهو يجيد التنقل في المشاهد والأحداث، بل يصر على ذلك، عبر فضاءات المدينة المفتوحة والمغلقة على حد سواء.. إذن هي رواية «مدينة » وهذا ما يؤكده أنتونيو غارثيا آنخيل نفسه عندما يذكر في إحدى المقابلات قائلاً: «نعم إنها رواية مدينة، إنها بوغوتا »، بوغوتا التي عاش فيها أكثر من نصف حياته، يقدمها في صورة تعكس حياة واقع الطبقة المتوسطة التي ينتمي اليها «خورخه» شخصيتها الرئيسة، المقتحمة بعمق لهذه المدينة والمكتشفة لأجزاءٍ مدهشة من عالمها. وصفت هذه الرواية بأنها «كافكاوية» بامتياز إذ إنها تعيد خلق حياة شخصية «خورخه » الشبيهة بشخصية «غريغوريو» بطل رواية المسخ للكاتب الألماني فرانز كافكا، حيث يواظب خورخه على التحرك في حلقة من الأحداث اليومية الروتينية التي تتخللها مشاهد درامية بسيطة لا تخلو من عجائبية تأتي إما بصورة أحلام أو أحداث تتداخل فيما بينها بنحو غير محسوس، وتندمج مع مشاهد فرعية أخرى تكثف من عجائبيتها لتُوقع قارئها في حيرة البحث عن خيوط الحقيقة.. لكن تداخل الأحداث مع الأحاديث سرعان ما يضعنا أمام فانتازيا أو غرائبية تخرجنا بين الحين والآخر من شعور بالملل والحزن وإحساس بالوحدة والرتابة يلازمنا حتى آخر مشهد في الرواية. وُصفت رواية «تداعٍ » بأنها واحدة من أفضل الروايات التي صدرت في كولومبيا في العام 2016 ، إذ إنها عكست صورة لمدينة تعيش بلا رحمة، مدينة لا تستكين ولا تعرف إلا قسوة العيش. وعُدّت من أهم النتاجات الروائية في كولومبيا وأميركا اللاتينية، وأنها وجه بوغوتا الحقيقي الذي لم يعكسه عمل آخر، على الرغم من أنها تقود في الجانب الآخر منها إلى نتاج لمسناه في أعمال كافكا وهو يكتب عن خيبات «جوزيف كي » أو في أعمال خوان رولفو وهو يبحث عن سوزانا سان خوان في أحد نصوصه. وفوق ما ذكرناه، ينبغي أن نضيف أيضاً ما امتلأت به من مزاج مركب.