هدم - توم كريستينسن
تتناول الرواية، التي صدرت في لغتها الأم عام 1930، حياة شاعر صحافي معروف يُدعى أول جاسترو الذي يندفع بسبب مشاكله إلى الإدمان على الشراب وتدمير حياته، في قصة تحاول تصوير الأزمات الفكرية والسياسية والشخصية التي عاشها الكثير من الكتّاب والفنانين في أوروبا بين الحربين العالميتين.
يتناول كريستينسن بتحليل عميق الشك الذي يُصيب الإنسان في بحثه عن الحقيقة، متسائلاً عن معنى وجوده وأهمِّيته، وما معنى الدِّين ودوره؟ وهل تختلف الكاثوليكية في نظرتها إلى الإنسان؟ ومن الذي يقرّبُ الإنسان من المسيح، هل هو سُكْره وانسحابهُ؟ أم إيمانهُ الدِّيني؟
هذه الأسئلة دفعَت الكاتب الحاصل على "نوبل للآداب" (1930) كنوت هامسن لكتابةِ رسالةٍ في السادس من كانون الأول/ ديسمبر 1930 إلى كريستينسن، بعد أن فرغ من قراءة الرواية، وجاء فيها: "لقد عشتُ ليومٍ وليلةٍ مع ياستراو والآخرين، لكن رفقتي لهم انتهت الآن، وها أنا أجلس مريضاً بشوقي للمزيد منهم. أشعرُ بفراغٍ كبيرٍ حقاً بانتهائها. لا أدري إن كنت قد أُخِذْتُ يوماً بكتابٍ ما في حياتي، وزوجتي شهدت كيف كنتُ أقرأ - أقرأ وأستشهد - وهي قد شرعت بقراءتها الآن. عملٌ عبقري عظيم. أرجو منك أن تتقبَّل مني خالص التهنئة. لديَّ كتبي، ولا ينقص العالم كتبٌ، ولكن عليَّ الآن أن أتواضع، فلا كتاب مثل كتابك"، بحسب ما ورد على الغلاف.
يتجاوز الهدم الذي قام به بطل الرواية طابع التمرُّد الشخصي إلى تجسيد اضطرابات مرحلةٍ زمنية كاملة من تاريخ الدنمارك، جرى فيها الكثيرُ من المتغيرات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وعُدَّت الرواية وثيقةً لما أُطلق عليه جيل ما بين الحربَين الضائع، وظهرت انعكاساته واضحة عبر فصول الرواية، متمثِّلة في استعراضٍ دقيق ممتع لإيقاع المدينة، ونبضها، في مرحلة أواخر العشرينيات.
يعترف كريستينسن أنه رسم صورته الشخصية بقوله: "كتبتُ عن صورتي الشخصية من دون اعتبارات، بمقاسي الطبيعي قدر الإمكان.. كانت هناك لحظات في أثناء كتابتي للرواية، تناولتُ فيها شخصي كحيوان من الرخويات، لأني جمعتُ في البطل نقاط ضعفي الشخصي كلها.. أمّا الريش الفولاذي.. أو اللولب الذي أدّى إلى توقّفي عن تعاطي الكحول، وحوّلني إلى رجلٍ ممتنع عن المُسكِرات، فقد أبعدتُهُ عن الشخصية تماماً، فأنا لم أشأ أن أكتب رواية عن "كيف تمتنع عن الكحول"، لا يمكن الاقتناع بهؤلاء إلا في الواقع، وليس في الكُتُب".
كان كريستينسن من بين أكثر كُتَّاب جيله مقاومةً وعناداً وتأثُّراً بالأفكار التي استجدَّت، والحركات الفنيّة والأدبية الجديدة، عدا عن طبيعته المتمرِّدة الصدامية التي تجلَّت في شبابه الأول سعياً لاكتشاف نفسه. في عام 1967 قدَّم استقالته من وظيفته في "جريدة البوليتيكن" وانتقل إلى شمال جزيرة شيلاند لينصرف لكتابةِ "هَدْم" التي استغرقت منه ثلاثة أعوامٍ بعد توقّفه تماماً عن الشراب.