لا عجب أن يغرق «فلاسفة الجامعات» في العصر الحديث في قراءة النّصوص وتأويلها، وأن تغدو الفلسفة تأويلاً لتاريخ الفلسفة. غير أن انتقاء النّصوص والارتباط بها اختلف من فيلسوف لآخر. فمن هؤلاء من هو أستاذ أكثر منه فيلسوفاً شأن ياسبرس وريكور، ومنهم من هو عكس ذلك. ولعل من يمثّل هذا الصّنف الثاني خير تمثيل هو بالضبط أحد «تلامذة» نيتشه، وأعني جيل دولوز. عندما كان صاحب «نيتشه والفلسفة» «يشتغل» على الفيلسوف، فليس من أجل تحصيل معارف وتكديس معلومات، ليس من أجل توفير فكر احتياطي، فكما يقول: «ليس لديّ فكر احتياطي. ما أعرفه، أعرفه بدلالة الحاجة التي يتطلّبها عمل أُنجزه حالاً. وإذا ما عدت إلى الأمر سنوات فيما بعد، يكون عليّ أن أعاود التّحصيل من جديد.» إنّها إذاً قراءات في خضم إنتاج، قراءات من أجل خروج وانفصال، قراءات ليس من أجل شحن الذاكرة، وإنما من أجل النسيان.
بنعبدالعالي